فصل: سابعاً: جعل تعليم الشّعر صداقاً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


شِعْر

التّعريف

1 - الشّعر في اللّغة‏:‏ العلم، يقال‏:‏ شعر به كنصر وكرم شعراً وشعراً إذا علم به وفطن له وعقله، وليت شعري‏:‏ أي ليت علمي‏.‏ وفي الحديث‏:‏ » ليت شعري ما صنع فلان « أي ليت علمي حاضر أو محيط بما صنع‏.‏

وأشعره الأمر وأشعره به‏:‏ أعلمه إيّاه، وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ‏}‏ أي‏:‏ وما يدريكم‏.‏

وغلب الشّعر على منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية، وحدّه‏:‏ ما تركّب تركّباً متعاضداً وكان مقفّىً موزوناً مقصوداً به ذلك‏.‏

والشّعر في الاصطلاح‏:‏ الكلام المقفّى الموزون على سبيل القصد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النّثر‏:‏

2 - النّثر هو‏:‏ الكلام المتفرّق من غير قافية أو وزن، من نثر الشّيء إذا رماه متفرّقاً‏.‏

وهو قسيم الشّعر

ب - السّجع‏:‏

3 - السّجع هو‏:‏ تواطؤ الفاصلتين من النّثر على حرف واحد في الآخر، يقال‏:‏ سجع الرّجل كلامه‏:‏ إذا جعل لكلامه فواصل كقوافي الشّعر ولم يكن موزوناً‏.‏

ج - الرّجز‏:‏

4 – الرّجز‏:‏ ضرب من الشّعر عند الأكثر، سمّي بذلك لتقارب أجزائه وقلّة حروفه واضطراب اللّسان به‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ الرّجز ليس بشعر وإنّما هو أنصاف أبيات أو أثلاث، ولأنّه يقال لقائله راجز لا شاعر‏.‏ د - الحداء‏:‏

5 - الحداء‏:‏ - بضمّ الحاء وكسرها وتخفيف الدّال المهملتين، يمدّ ويقصر - هو سوق الإبل بضرب مخصوص من الغناء‏.‏

والحداء في الغالب إنّما يكون بالرّجز، وقد يكون بغيره من الشّعر‏.‏

هـ – الغناء‏:‏

6 – الغناء‏:‏ التّطريب والتّرنّم بالكلام الموزون وغيره، يكون مصحوباً بالموسيقى وغير مصحوب‏.‏

الحكم التّكليفيّ

اختلف الفقهاء في حكم تعلّم الشّعر وإنشائه وإنشاده وغير ذلك من مسائله على التّفصيل التّالي‏:‏

أوّلاً‏:‏ إنشاء الشّعر وإنشاده واستماعه

7 - قال ابن قدامة‏:‏ ليس في إباحة الشّعر خلاف، وقد قاله الصّحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللّغة العربيّة، والاستشهاد به في التّفسير، وتعرّف معاني كلام اللّه تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويستدلّ به أيضاً على النّسب والتّاريخ وأيّام العرب، يقال‏:‏ الشّعر ديوان العرب‏.‏

وقال ابن العربيّ‏:‏ الشّعر نوع من الكلام، قال الشّافعيّ‏:‏ حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيحه‏:‏ يعني أنّ الشّعر ليس يكره لذاته وإنّما يكره لمتضمّناته‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ قال العلماء كافّةً‏:‏ الشّعر مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه، وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وهذا هو الصّواب، فقد سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم الشّعر واستنشده، وأمر به حسّان بن ثابت رضي الله تعالى عنه في هجاء المشركين، وأنشده أصحابه بحضرته في الأسفار وغيرها، وأنشده الخلفاء وأئمّة الصّحابة وفضلاء السّلف، ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه، وإنّما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه‏.‏

وقال ابن حجر‏:‏ الّذي يتحصّل من كلام العلماء في حدّ الشّعر الجائز أنّه إذا لم يكثر منه في المسجد، وخلا عن هجو وعن الإغراق في المدح والكذب المحض والغزل الحرام، فإنّه يكون جائزاً‏.‏

ونقل ابن عبد البرّ الإجماع على جوازه إذا كان كذلك، واستدلّ بأحاديث وبما أنشد بحضرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو استنشده ولم ينكره، وقد جمع ابن سيّد النّاس مجلّداً في أسماء من نقل عنه من الصّحابة شيء من شعر متعلّق بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّةً، وأخرج البخاريّ في الأدب المفرد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها كانت تقول‏:‏ الشّعر منه حسن ومنه قبيح، خذ الحسن ودع القبيح، ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعاراً منها القصيدة فيها أربعون بيتاً، وأخرج البخاريّ في الأدب المفرد أيضاً من حديث عبد اللّه بن عمرو رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً بلفظ‏:‏ » الشّعر بمنزلة الكلام، حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام «‏.‏ وروى مسلم عن عمرو بن الشّريد عن أبيه قال‏:‏ » ردفت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوماً فقال‏:‏ هل معك من شعر أميّة بن أبي الصّلت شيء‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، قال‏:‏ هيه فأنشدته بيتاً فقال‏:‏ هيه ثمّ أنشدته بيتاً فقال‏:‏ هيه حتّى أنشدته مائة بيت «‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمّنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعاً وطبعاً‏.‏

وإنّما استكثر النّبيّ صلى الله عليه وسلم من شعر أميّة لأنّه كان حكيماً، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » كاد أميّة بن أبي الصّلت أن يسلم «‏.‏

ولمّا أراد العبّاس رضي الله تعالى عنه مدح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأبيات من الشّعر قال صلى الله عليه وسلم له‏:‏ » هات، لا يفضض اللّه فاك «‏.‏

وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل مكّة في عمرة القضاء وعبد اللّه بن رواحة رضي الله تعالى عنه بين يديه يمشي وهو يقول‏:‏

خلّوا بني الكفّار عن سبيله *** اليوم نضربكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله *** ويذهل الخليل عن خليله

فقال عمر‏:‏ يا ابن رواحة، في حرم اللّه وبين يدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » خلّ عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النّبل «‏.‏ وروى أبيّ بن كعب رضي الله تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » إنّ من الشّعر حكمةً «‏.‏

وبهذا يتبيّن أنّه لا وجه لقول من حرّم الشّعر مطلقاً أو قال بكراهته‏.‏

8 - قال جمهور الفقهاء‏:‏ فقد يكون فرضاً كما نقل ابن عابدين عن الشّهاب الخفاجيّ قال‏:‏ معرفة شعر أهل الجاهليّة والمخضرمين - وهم من أدرك الجاهليّة والإسلام - والإسلاميّين روايةً ودرايةً فرض كفاية عند فقهاء الإسلام، لأنّ به تثبت قواعد العربيّة الّتي بها يعلم الكتاب والسّنّة المتوقّف على معرفتهما الأحكام الّتي يتميّز بها الحلال من الحرام، وكلامهم وإن جاز فيه الخطأ في المعاني فلا يجوز فيه الخطأ في الألفاظ وتركيب المباني‏.‏

9 - وقد يكون مندوباً، وذلك إذا تضمّن ذكر اللّه تعالى أو حمده أو الثّناء عليه، أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم أو الصّلاة عليه أو مدحه أو الذّبّ عنه، أو ذكر أصحابه أو مدحهم، أو ذكر المتّقين وصفاتهم وأعمالهم، أو كان في الوعظ والحكم أو التّحذير من المعاصي أو الحثّ على الطّاعات ومكارم الأخلاق‏.‏

10 - وقد يكون الشّعر حراماً إذا كان في لفظه ما لا يحلّ كوصف الخمر المهيّج لها، أو هجاء مسلم أو ذمّيّ، أو مجاوزة الحدّ والكذب في الشّعر، بحيث لا يمكن حمله على المبالغة، أو التّشبيب بمعيّن من أمرد أو امرأة غير حليلة، أو كان ممّا يقال على الملاهي‏.‏

11 - وقد يكون الشّعر مكروهاً وللمذاهب في ذلك تفصيل‏:‏

فعند الحنفيّة أنّ المكروه من الشّعر ما داوم عليه الشّخص وجعله صناعةً له حتّى غلب عليه وشغله عن ذكر اللّه تعالى وعن العلوم الشّرعيّة، وما كان من الشّعر في وصف الخدود والقدود والشّعور، وكذلك تكره قراءة ما كان فيه ذكر الفسق والخمر‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يكره الإكثار من الشّعر غير المحتاج إليه لقلّة سلامة فاعله من التّجاوز في الكلام لأنّ غالبه مشتمل على مبالغات، روى ابن القاسم عن مالك أنّه سئل عن إنشاد الشّعر فقال‏:‏ لا تكثرنّ منه فمن عيبه أنّ اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ‏}‏‏.‏

قال‏:‏ ولقد بلغني أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعريّ أن اجمع الشّعراء قبلك، وسلهم عن الشّعر، وهل بقي معهم معرفة، وأحضر لبيداً ذلك، فجمعهم فسألهم، فقالوا‏:‏ إنّا لنعرفه ونقوله، وسأل لبيداً فقال‏:‏ ما قلت بيت شعر منذ سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول‏:‏ ‏{‏الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ‏}‏‏.‏

وقال ابن العربيّ‏:‏ من المذموم في الشّعر التّكلّم من الباطل بما لم يفعله المرء رغبةً في تسلية النّفس وتحسين القول‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يكره أن يشبّب من حليلته بما حقّه الإخفاء، وذلك ما لم تتأذّ بإظهاره وإلاّ حرم‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ يكره من الشّعر الهجاء والشّعر الرّقيق الّذي يشبّب بالنّساء‏.‏

12 - وقد يكون الشّعر مباحاً وهو الأصل في الشّعر‏.‏ ونصوص فقهاء المذاهب في ذلك الحكم متقاربة‏:‏

قال الحنفيّة‏:‏ اليسير من الشّعر لا بأس به إذا قصد به إظهار النّكات والتّشابيه الفائقة والمعاني الرّائقة، وما كان من الشّعر في ذكر الأطلال والأزمان والأمم فمباح‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يباح إنشاد الشّعر وإنشاؤه ما لم يكثر منه فيكره، إلاّ في الأشعار الّتي يحتاج إليها في الاستدلال‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يباح إنشاء الشّعر وإنشاده واستماعه ما لم يتضمّن ما يمنعه أو يقتضيه اتّباعاً للسّلف والخلف، ولأنّه صلى الله عليه وسلم كان له شعراء يصغي إليهم كحسّان بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله تعالى عنهم، ولأنّه صلى الله عليه وسلم استنشد من شعر أميّة ابن أبي الصّلت مائة بيت، أي لأنّ أكثر شعره حِكَم وأمثال وتذكير بالبعث ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » كاد أن يسلم « ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ من الشّعر حكمةً «‏.‏ وقال ابن قدامة‏:‏ ليس في إباحة الشّعر خلاف، وقد قاله الصّحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه‏.‏

ثانياً‏:‏ تعلّم الشّعر

13 - ذهب الفقهاء إلى أنّ تعلّم الشّعر مباح إن لم يكن فيه سخف أو حثّ على شرّ أو ما يدعو إلى حظره‏.‏

وتعلّم بعض الشّعر يكون فرض كفاية عند الحنفيّة كما نقل ابن عابدين عن الشّهاب الخفاجيّ‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ لا نزاع في جواز تعلّم الأشعار الّتي يذكرها المصنّفون للاستدلال بها‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّه يصحّ استئجار لتعليم نحو شعر مباح ويجوز أخذ الأجر عليه‏.‏

ثالثاً‏:‏ منع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الشّعر

14 - كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء، وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، ولكنّه صلى الله عليه وسلم حجب عنه الشّعر لما كان اللّه سبحانه وتعالى قد ادّخره له من فصاحة القرآن وإعجازه دلالةً على صدقه، كما سلب عنه الكتابة وأبقاه على حكم الأمّيّة تحقيقاً لهذه الحالة وتأكيداً، ولئلاّ تدخل الشّبهة على من أرسل إليه فيظنّ أنّه قوي على القرآن بما في طبعه من القوّة على الشّعر‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ‏}‏‏.‏

15 - وقد اختلف في جواز تمثّل النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء من الشّعر وإنشاده حاكياً عن غيره، والصّحيح جوازه لما روى المقدام بن شريح عن أبيه قال‏:‏ قلت لعائشة‏:‏ أكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتمثّل بشيء من الشّعر‏؟‏ قالت‏:‏ » كان يتمثّل بشعر ابن أبي رواحة ويتمثّل ويقول ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد «‏.‏

وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل «‏.‏

وإصابة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وزن الشّعر لا يوجب أنّه يعلم الشّعر، وكذلك ما يأتي من نثر كلامه ممّا يدخل في وزن كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » هل أنت إلاّ أصبع دميت وفي سبيل اللّه ما لقيت «‏.‏

وقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أنا النّبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب «‏.‏

فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن الكريم كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ‏}‏‏.‏

وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ‏}‏‏.‏

وقوله عزّ وجلّ‏:‏‏{‏وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات، وليس هذا شعراً ولا في معناه، ولا يلزم من ذلك أن يكون النّبيّ صلى الله عليه وسلم عالماً بالشّعر ولا شاعراً، لأنّ إصابة القافيتين من الرّجز وغيره من غير قصد كما قال القرطبيّ، لا توجب أن يكون القائل عالماً بالشّعر ولا يسمّى شاعراً، كما أنّ من خاط خيطاً لا يكون خيّاطاً، قال أبو إسحاق الزّجّاج‏:‏ معنى ‏{‏وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ‏}‏ وما علّمناه أن يشعر، أي ما جعلناه شاعراً، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئاً من الشّعر‏.‏

رابعاً‏:‏ إنشاد الشّعر في المسجد

16 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العبرة بمضمون الشّعر، فإن كان حسناً جاز إنشاده في المسجد وإلاّ فلا‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ أخرج الطّحاويّ في شرح معاني الآثار‏:‏» أنّه صلى الله عليه وسلم نهى أن تنشد الأشعار في المسجد، وأن يباع فيه السّلع، وأن يتحلّق فيه قبل الصّلاة « ثمّ وفّق بينه وبين ما ورد‏:‏ » أنّه صلى الله عليه وسلم وضع لحسّان منبراً ينشد عليه الشّعر « بحمل الأوّل على ما كانت قريش تهجوه به، أو على ما يغلب على المسجد حتّى يكون أكثر من فيه متشاغلاً به، وكذلك النّهي عن البيع فيه هو الّذي يغلب عليه حتّى يكون كالسّوق لأنّه صلى الله عليه وسلم لم ينه عليّاً عن خصف النّعل فيه‏.‏ مع أنّه لو اجتمع النّاس لخصف النّعال فيه كره، فكذلك البيع وإنشاد الشّعر والتّحلّق قبل الصّلاة فما غلب عليه كره وما لا فلا‏.‏ وهذا نظير ما قاله القرطبيّ‏.‏

ونقل الزّركشيّ عن النّوويّ أنّه ينبغي ألاّ ينشد في المسجد شعر ليس فيه مدح للإسلام ولا حثّ على مكارم الأخلاق ونحوه، فإن كان لغير ذلك حرم‏.‏

ونقل عن الصّيمريّ قوله‏:‏ كره قوم إنشاد الشّعر في المساجد وليس ذلك عندنا بمكروه، وقد كان حسّان بن ثابت ينشد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الشّعر في المسجد، وأنشده كعب بن زهير قصيدتين في المسجد، لكن لا يكثر منه في المسجد، قال الزّركشيّ‏:‏ والظّاهر أنّ هذا محمول على الشّعر المباح أو المرغّب في الآخرة أو المتعلّق بمدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر بعض مناقبه ومآثره لا مطلق الشّعر، وقال الماورديّ والرّويانيّ‏:‏ لعلّ الحديث في المنع من إنشاد الشّعر في المسجد محمول على ما فيه هجو أو مدح بغير حقّ، فإنّه عليه الصلاة والسلام مدح وأنشد مدحه في المسجد فلم يمنع منه، وقال ابن بطّال‏:‏ لعلّه كان فيما يتشاغل النّاس به حتّى يكون كلّ من في المسجد يغلب عليه‏.‏

وقال الرّحيبانيّ‏:‏ يباح في المسجد إنشاد شعر مباح لحديث جابر بن سمرة قال‏:‏ » شهدت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرّة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشّعر وأشياء من أمر الجاهليّة فربّما تبسّم معهم «‏.‏

خامساً‏:‏ إنشاد المحرم الشّعر

17 - يجوز للمحرم إنشاد الشّعر الّذي يجوز للحلال إنشاده، فيجوز للمحرم إنشاد الشّعر الّذي فيه وصف المرأة بما لا فحش فيه، وقد روي أنّ أبا هريرة رضي الله تعالى عنه عنه أنشد مثل ذلك وهو محرم، وروى أبو العالية قال‏:‏ كنت أمشي مع ابن عبّاس وهو محرم، وهو يرتجز بالإبل ويقول‏:‏ وهنّ يمشين بنا همياً‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فقلت‏:‏ أترفث وأنت محرم‏؟‏ قال‏:‏ إنّما الرّفث ما روجع به النّساء‏.‏

سادساً‏:‏ كتابة البسملة قبل الشّعر

18 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يسنّ ذكر ‏"‏ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ‏"‏ في ابتداء جميع الأفعال والأقوال غير المحظورة، وفي ابتداء الكتب والرّسائل، عملاً بقول النّبيّ‏:‏ » كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم فهو أقطع « أي‏:‏ ناقص غير تامّ، فيكون قليل البركة‏.‏

ونقل ابن الحكم - كما قال البهوتيّ - أنّ البسملة لا تكتب أمام الشّعر ولا معه، وذكر الشّعبيّ أنّهم كانوا يكرهونه، قال القاضي‏:‏ لأنّه يشوبه الكذب والهجو غالباً‏.‏

سابعاً‏:‏ جعل تعليم الشّعر صداقاً

19 - نصّ الشّافعيّة على أنّه يصحّ جعل تعليم الشّعر للمرأة صداقاً لها إذا كان ممّا يحلّ تعلّمه، وفيه كلفة بحيث تصحّ الإجارة عليه، وقد سئل المزنيّ عن صحّة جعل الصّداق شعراً فقال‏:‏ يجوز إن كان مثل قول القائل وهو أبو الدّرداء الأنصاريّ‏:‏

يريد المرء أن يعطى مناه *** ويأبى اللّه إلاّ ما أرادا

يقول المرء فائدتي وزادي *** وتقوى اللّه أعظم ما استفادا

ثامناً‏:‏ القطع بسرقة كتب الشّعر

20 - نصّ الشّافعيّة على أنّه يجب القطع بسرقة كتب التّفسير والحديث والفقه، وكذا الشّعر الّذي يحلّ الانتفاع به، وما لا يحلّ الانتفاع به لا قطع فيه، إلاّ أن يبلغ الجلد والقرطاس نصاباً وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ سرقة‏)‏‏.‏

تاسعاً‏:‏ الحدّ بما جاء في الشّعر

21 - اختلف الفقهاء فيما إذا اعترف الشّاعر في شعره بما يوجب حدّاً، هل يقام عليه الحدّ أم لا‏؟‏

فذهب البعض إلى أنّه يقام عليه الحدّ بهذا الاعتراف‏.‏

وذهب الأكثرون إلى أنّه لا يقام عليه الحدّ، لأنّ الشّاعر قد يبالغ في شعره حتّى تصل به المبالغة إلى الكذب وادّعاء ما لم يحدث ونسبته إلى نفسه، رغبةً في تسلية النّفس وتحسين القول، روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ‏}‏ قال‏:‏ أكثر قولهم يكذبون فيه، وعقّب ابن كثير بقوله‏:‏ وهذا الّذي قاله ابن عبّاس رضي الله عنه هو الواقع في نفس الأمر، فإنّ الشّعراء يتبجّحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم، فيتكثّرون بما ليس لهم‏.‏

وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنّه سمع شعراً للنّعمان بن عديّ بن نضلة يعترف فيه بشرب الخمر، فلمّا سأله قال‏:‏ واللّه يا أمير المومنين ما شربتها قطّ، وما فعلت شيئاً ممّا قلت، وما ذاك الشّعر إلاّ فضلةً من القول، وشيء طفح على لساني، فقال عمر‏:‏ أظنّ ذلك، ولكن واللّه لا تعمل لي عملاً أبداً وقد قلت ما قلت، فلم يذكر أنّه حدّه على الشّراب وقد ضمّنه شعره، لأنّ الشّعراء يقولون ما لا يفعلون ولكن ذمّه عمر رضي الله عنه ولامه على ذلك وعزله به‏.‏

عاشراً‏:‏ التّكسّب بالشّعر

22 - ذهب بعضه الفقهاء إلى أنّ التّكسّب بالشّعر من المكاسب الخبيثة ومن السّحت الحرام، لأنّ ما يدفع إلى الشّاعر إنّما يدفع إليه عادةً لقطع لسانه، والشّاعر الّذي يكون كذلك إنّما هو شيطان لما في الصّحيح عن أبي سعيد الخدريّ - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ » بينا نحن نسير مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ خذوا الشّيطان «‏.‏ قال القرطبيّ‏:‏ قال علماؤنا‏:‏ وإنّما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم هذا مع هذا الشّاعر لما علم من حاله، فلعلّه كان ممّن قد عرف أنّه اتّخذ الشّعر طريقاً للتّكسّب، فيفرط في المدح إذا أعطي، وفي الهجو والذّمّ إذا منع، فيؤذي النّاس في أموالهم وأعراضهم، ولا خلاف في أنّ من كان على مثل هذه الحالة، فكلّ ما يكتسبه بالشّعر حرام، وكلّ ما يقوله من ذلك حرام عليه، ولا يحلّ الإصغاء إليه، بل يجب الإنكار عليه، فإن لم يمكن ذلك لمن خاف من لسانه قطعاً تعيّن عليه أن يداريه بما استطاع، ويدافعه بما أمكن، ولا يحلّ له أن يعطي شيئاً ابتداءً، لأنّ ذلك عون على المعصية، فإن لم يجد بدّاً من ذلك أعطاه بنيّة وقاية العرض، فما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقةً‏.‏

وذكر الحصكفيّ الحنفيّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعطي الشّعراء ولمن يخاف لسانه، ونقل ابن عابدين ما ورد عن عكرمة مرسلاً قال‏:‏ أتى شاعر النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ » يا بلال، اقطع عنّي لسانه فأعطاه أربعين درهماً «‏.‏

وقال عديّ بن أرطاة لعمر بن عبد العزيز‏:‏ يا أمير المومنين، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد مدح وأعطى وفيه أسوة لكلّ مسلم، قال‏:‏ ومن مدحه‏؟‏ قال‏:‏ عبّاس بن مرداس السّلميّ فكساه حلّةً قطع بها لسانه‏.‏

أمّا الشّاعر الّذي يؤمن شرّه، ولا يعطى مداراةً له وقطعاً للسانه، فالظّاهر أنّ ما يدفع إليه حلال، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دفع بردته إلى كعب بن زهير رضي الله عنه لمّا امتدحه بقصيدته المشهورة‏.‏

ولمّا استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه الشّعراء كما كانوا يفدون على الخلفاء قبله، فأقاموا ببابه أيّاماً لا يأذن لهم بالدّخول، حتّى قدم عديّ بن أرطاة وكانت له مكانة، فتعرّض له جرير وطلب شفاعته، فاستأذن لهم، فلم يأذن إلاّ لجرير، فلمّا مثل بين يديه قال له‏:‏ اتّق اللّه ولا تقل إلاّ حقّاً، فمدحه بأبيات، فقال عمر‏:‏ يا جرير، لقد ولّيت هذا الأمر وما أملك إلاّ ثلاثمائة، فمائة أخذها عبد اللّه، ومائة أخذتها أمّ عبد اللّه، يا غلام‏:‏ أعطه المائة الثّالثة، فقال‏:‏ واللّه يا أمير المؤمنين، إنّها لأحبّ مال كسبته إليّ‏.‏

حادي عشر‏:‏ شهادة الشّاعر

23 - ذهب الفقهاء إلى قبول شهادة الشّاعر الّذي لا يرتكب بشعره محرّماً أو ما يخلّ بالمروءة، فإن ارتكب ذلك ففي ردّ شهادته به تفصيل‏:‏

قال الحنفيّة‏:‏ من كثر إنشاده وإنشاؤه حين تنزل به مهمّاته ويجعله مكسبةً له تنقض مروءته وتردّ شهادته‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ تجوز شهادة الشّاعر إذا كان لا يرتكب بشعره محرّماً، وإلاّ امتنعت شهادته‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ تردّ شهادة الشّاعر إذا هجا معصوم الدّم - مسلماً أو ذمّيّاً - بما يفسق به، بخلاف الحربيّ فلا يحرم هجاؤه، ولا تردّ شهادة الشّاعر بهجائه، لأنّ » النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر حسّان بن ثابت رضي الله تعالى عنه بهجاء الكفّار «‏.‏

وظاهر كلامهم جواز هجو الكافر المعيّن، وعليه فيفارق عدم جواز لعنه بأنّ اللّعن الإبعاد من الخير، ولاعِنه لا يتحقّق بعده منه فقد يختم له بخير‏.‏

وقالوا‏:‏ تردّ شهادة الشّاعر كذلك إذا شبّب بامرأة معيّنة بأن ذكر صفاتها من نحو حسن وطول وغير ذلك، لما فيه من الإيذاء، وكذلك إذا هتك السّتر ووصف أعضاءها الباطنة بما حقّه الإخفاء ولو كان من حليلته، ومثل المرأة في ذلك الأمرد إذا صرّح بعشقه، فإذا لم يعيّن الشّاعر من يشبّب به فلا إثم عليه لأنّ التّشبيب صنعة، وغرض الشّاعر تحسين صنعته لا تحقيق المذكور فيه، فليس ذكر شخص مجهول تعييناً، لكنّ بعض الشّعراء قد ينصبون قرائن تدلّ على تعيين المشبّب به، وعندئذ يكون التّشبيب مع هذه القرائن في حكم التّشبيب بمعيّن‏.‏

وتردّ شهادة الشّاعر كذلك عند الشّافعيّة إن أكثر الكذب في شعره، وجاوز في ذلك الحدّ بحيث لا يمكن حمله على المبالغة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ الشّاعر متى كان يهجو المسلمين أو يمدح بالكذب أو يقذف مسلماً أو مسلمةً فإنّ شهادته تردّ، وسواء قذف بنفسه أو بغيره‏.‏

شَعِير

التّعريف

1 - الشّعير جنس من الحبوب معروف واحدته شعيرة، وهو نبات عشبيّ حبّيّ دون البرّ في الغذاء‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالشّعير

وردت أحكام الشّعير في مواضع مختلفة منها‏:‏

الزّكاة‏:‏

2 - فالشّعير من الحبوب الّتي تجب فيها الزّكاة إذا بلغت النّصاب بإجماع الفقهاء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ‏}‏‏.‏ الآية‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا تأخذوا الصّدقة إلاّ من هذه الأربعة‏:‏ الشّعير والحنطة والزّبيب والتّمر «‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فيما سقت السّماء والعيون أو كان عثريّاً العشر وما سقي بالنّضح نصف العشر «‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يضمّ الشّعير إلى غيره كالقمح والسّلت لأنّها أجناس ثلاثة مختلفة‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ الشّعير يضمّ إلى السّلت، فهما عندهم صنفان من جنس واحد ولا يضمّ إلى القمح‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الشّعير والسّلت والقمح أصناف من جنس واحد يضمّ بعضه إلى بعض لتكميل النّصاب‏.‏

ولا ترد هذه المسألة عند أبي حنيفة لأنّه لا يشترط النّصاب في الخارج من الأرض لوجوب الزّكاة، بل تجب الزّكاة عنده في القليل والكثير‏.‏

راجع التّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة ف 102‏)‏‏.‏

زكاة الفطر‏:‏

3 - أجمع الفقهاء على أنّ الشّعير من الحبوب الّتي يجوز أن تؤدّى منها زكاة الفطر وأنّ المجزئ منه هو صاع لقول ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ » فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحرّ والذّكر والأنثى والصّغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة «‏.‏

وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال‏:‏ » كنّا نعطيها - أي زكاة الفطر - في زمان النّبيّ صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب «‏.‏ الحديث‏.‏

راجع التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة الفطر‏)‏‏.‏

في البيع‏:‏

4 - لا يدخل في مطلق بيع الأرض ما هو مزروع فيها من الشّعير والحنطة وسائر الزّروع وكلّ ما يؤخذ بقلع أو قطع دفعةً واحدةً، لأنّه ليس للدّوام فأشبه منقولات الدّار‏.‏

التّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع‏)‏‏.‏

في الرّبا‏:‏

5 - أجمع الفقهاء على أنّ الشّعير من الأموال الرّبويّة الّتي يحرم بيعها بمثلها إلاّ بشرط الحلول والمماثلة والتّقابض قبل التّفرّق‏.‏

وإذا بيعت بجنس آخر كالتّمر مثلاً جاز التّفاضل، واشترط الحلول والتّقابض قبل التّفرّق لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الذّهب بالذّهب مثلاً بمثل، والفضّة بالفضّة مثلاً بمثل، والتّمر بالتّمر مثلاً بمثل، والبرّ بالبرّ مثلاً بمثل والملح بالملح مثلاً بمثل، والشّعير بالشّعير مثلاً بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذّهب بالفضّة كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا البرّ بالتّمر كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا الشّعير بالتّمر كيف شئتم يداً بيد «‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة، والبرّ بالبرّ، والشّعير بالشّعير، والتّمر بالتّمر، والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد «‏.‏

شِغَار

التّعريف

1 - الشِّغار بكسر الشّين لغةً‏:‏ نكاح كان في الجاهليّة، وهو أن يزوّج الرّجل آخر امرأةً على أن يزوّجه الآخر امرأةً أخرى بغير مهر، وصداق كلّ منهما بضع الأخرى‏.‏

وخصّ بعضهم به القرائب فقال‏:‏ لا يكون الشّغار إلاّ أن تنكحه وليّتك على أن ينكحك وليّته‏.‏ وسمّي شغاراً إمّا تشبيهاً برفع الكلب رجله ليبول في القبح، قال الأصمعيّ‏:‏ الشّغار الرّفع فكأنّ كلّ واحد منهما رفع رجله للآخر عمّا يريد‏.‏

وإمّا لخلوّه عن المهر لقولهم‏:‏ شغر البلد إذا خلا‏.‏ وشاغر الرّجل الرّجل أي زوّج كلّ واحد صاحبه حريمته، على أنّ بضع كلّ واحدة صداق الأخرى ولا مهر سوى ذلك، وكان سائغاً في الجاهليّة‏.‏

والشّغار في الاصطلاح‏:‏ أن يزوّج الرّجل وليّته على أن يزوّجه الآخر وليّته على أنّ مهر كلّ منهما بضع الأخرى‏.‏ وهذا تعريفه عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ الشّغار أن يزوّجه وليّته على أن يزوّجه الآخر وليّته، سواء جعلا مهر كلّ منهما بضع الأخرى أو سكت عن المهر أو شرطا نفيه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ صريح الشّغار أن يقول زوّجتك مولّيتي على أن تزوّجني مولّيتك ولا يذكران مهراً‏.‏ وأمّا إن قال‏:‏ زوّجتك مولّيتي بكذا مهراً على أن تزوّجني وليّتك بكذا فهو وجه الشّغار، لأنّه شغار من وجه دون وجه، فمن حيث إنّه سمّى لكلّ واحدة مهراً فليس بشغار، ومن حيث إنّه شرط تزوّج إحداهما بالأخرى فهو شعار‏.‏

الحكم التّكليفيّ

أورد الفقهاء أحكام الشّغار في كتاب النّكاح والصّداق ولكونهم اختلفوا في تعريفه الشّرعيّ وبعض مسائله التّفصيليّة، نذكر تفصيل الحكم في كلّ مذهب على حدة‏:‏

2 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ نكاح الشّغار‏:‏ هو أن يزوّج الرّجل الرّجل حريمته على أن يزوّجه الآخر حريمته - ابنته أو أخته أو أمته - على أن يكون بضع كلّ واحدة منهما صداقاً للأخرى لا مهر سوى ذلك‏.‏

وهذا النّكاح عندهم صحيح لأنّه مؤبّد أدخل فيه شرط فاسد - وهو أن يكون بضع كلّ واحدة منهما صداقاً للأخرى - والنّكاح لا يبطله الشّروط الفاسدة، كما إذا تزوّجها على أن يطلّقها أو نحو ذلك‏.‏

وتكون التّسمية فاسدةً لأنّ البضع ليس بمال، فلا يصلح أن يكون مهراً بل يجب لكلّ منهما مهر المثل كما لو تزوّجها على خمر أو خنزير‏.‏

والنّهي عن نكاح الشّغار الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة بالمرأة ليس لواحدة منهما مهر « محمول عندهم على الكراهة‏.‏ ويشترط لتحقّق معنى الشّغار أن يجعل بضع كلّ منهما صداقاً للأخرى مع القبول من الآخر فإن لم يقل ذلك ولا معناه، بل قال‏:‏ زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك، فقبل الآخر أو قال‏:‏ على أن يكون بضع بنتي صداقاً لبنتك فلم يقبل الآخر بل زوّجه بنته ولم يجعلها صداقاً، لم يكن شغاراً وإنّما نكاحاً صحيحاً باتّفاق‏.‏

3 - وذهب المالكيّة إلى أنّ صريح الشّغار هو أن يقول الرّجل للرّجل‏:‏ زوّجني بنتك أو أختك أو أمتك على أن أزوّجك بنتي أو أختي مع جعل تزويج كلّ منهما مهراً للأخرى‏.‏ فهذا النّكاح فاسد يفسخ قبل البناء وبعد البناء أبدًا، ولكلّ منهما بعد البناء صداق المثل‏.‏

وإن سمّى لواحدة منهما مهراً دون الأخرى كأن يقول‏:‏ زوّجني بنتك بمائة من الدّنانير مثلاً على أن أزوّجك بنتي فالنّكاح فاسد أيضاً، ويفسخ نكاح من لم يسمّ لها صداق قبل البناء وبعد البناء أبداً، ولها بعد البناء صداق مثلها‏.‏ أمّا المسمّى لها الصّداق فيفسخ نكاحها قبل البناء ويمضي بعد البناء بالأكثر من المسمّى وصداق المثل، ويسمّى هذا النّكاح بمركب الشّغار عندهم‏.‏

وإن سمّى لكلّ واحدة منهما مهراً كأن يقول‏:‏ زوّجني بنتك ونحوها بمائة من الدّنانير مثلاً على شرط أن أزوّجك ابنتي أو أختي أو أمتي بمائة من الدّنانير أو أقلّ أو أكثر فهذا النّكاح فاسد كذلك يفسخ قبل البناء ويمضي بعد البناء بالأكثر من المسمّى وصداق المثل، ويسمّى هذا النّوع وجه الشّغار‏.‏

4 - وذهب الشّافعيّة إلى أنّ نكاح الشّغار - وهو قول الرّجل للرّجل زوّجتك بنتي أو نحوها على أن تزوّجني بنتك أو نحوها وبضع كلّ واحدة منهما صداق الأخرى، فيقبل الآخر ذلك كأن يقول‏:‏ تزوّجت بنتك وزوّجتك بنتي على ما ذكرت - باطل للحديث الصّحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الشّغار، والشّغار أن يزوّج الرّجل ابنته على أن يزوّجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق «‏.‏

ولمعنى الاشتراك في البضع حيث جعله مورد النّكاح وصداقاً لأخرى فأشبه تزويج واحدة من اثنين‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ علّة البطلان، التّعليق والتّوقّف الموجود في هذا النّكاح، وقيل لخلوّه من المهر‏.‏ فإن لم يجعل البضع صداقاً بأن سكت عنه كقوله‏:‏ زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك فالأصحّ الصّحّة لعدم التّشريك في البضع ولأنّه ليس فيه إلاّ شرط عقد في عقد وذلك لا يفسد النّكاح ويجب لكلّ واحدة منهما مهر المثل‏.‏

فعلى هذا لو قال‏:‏ زوّجتك ابنتي على أن تزوّجني ابنتك وبضع ابنتك صداق لابنتي صحّ النّكاح الأوّل وبطل النّكاح الثّاني‏.‏

ولو قال‏:‏ وبضع ابنتي صداق لابنتك بطل الأوّل وصحّ الثّاني‏.‏

وعلى الوجه الثّاني - وهو مقابل الأصحّ - لا يصحّ النّكاح في الصّور المذكورة لما فيها من معنى التّعليق والتّوقّف‏.‏

ولو سمّيا مالاً مع جعل البضع صداقاً كأن يقول‏:‏ زوّجتك بنتي بألف من الدّنانير مثلاً على أن تزوّجني بنتك بألف كذلك وبضع كلّ واحدة منهما صداق للأخرى، أو يقول‏:‏ زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك ويكون بضع كلّ واحدة منهما وألف درهم صداقاً للأخرى، فالأصحّ بطلان هذا النّكاح لوجود التّشريك فيه‏.‏

وكذا إذا سمّيا لإحداهما مهراً دون الأخرى كأن يقول‏:‏ زوّجتك بنتي بألف درهم على أن تزوّجني بنتك وبضع كلّ واحدة منهما صداق للأخرى فالأصحّ بطلانه أيضاً لوجود معنى التّشريك فيه‏.‏ وعلى الوجه الثّاني - وهو مقابل الأصحّ - يصحّ النّكاح في هذه الصّور لأنّه ليس على تفسير صورة الشّغار ولأنّه لم يخل عن المهر‏.‏

ومن صور الشّغار عند الشّافعيّة أن يقول‏:‏ زوّجتك ابنتي على أن تزوّج ابني ابنتك وبضع كلّ واحدة منهما صداق الأخرى‏.‏

ولو طلّق امرأته على أن يزوّجه زيد مثلاً ابنته وصداق البنت بضع المطلّقة فزوّجه على ذلك، صحّ التّزويج بمهر المثل، لفساد المسمّى ووقع الطّلاق على المطلّقة‏.‏

5- وذهب الحنابلة إلى أنّ الشّغار - وهو أن يزوّج شخص وليّته لشخص على أن يزوّجه الآخر وليّته - نكاح فاسد، لما ورد من أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » نهى عن الشّغار «‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام «‏.‏

ولأنّه جعل كلّ واحد من العقدين سلفاً في الآخر فلم يصحّ، كما لو قال‏:‏ بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي‏.‏ ولا فرق بين أن يقول‏:‏ على أنّ صداق كلّ واحدة منهما بضع الأخرى، أو لم يقل ذلك بأن سكتا عنه أو شرطا نفيه، وكذا لو جعلا بضع كلّ واحدة منهما ودراهم معلومةً مهراً للأخرى‏.‏

قالوا‏:‏ وليس فساد نكاح الشّغار من قبل التّسمية الفاسدة، بل من جهة أنّه وقفه على شرط فاسد، أو لأنّه شرط تمليك البضع لغير الزّوج، فإنّه جعل تزويجه إيّاها مهراً للأخرى فكأنّه ملّكه إيّاها بشرط انتزاعها منه‏.‏

فإن سمّيا لكلّ واحدة منهما مهراً كأن يقول‏:‏ زوّجتك ابنتي على أن تزوّجني ابنتك ومهر كلّ واحدة منهما مائة درهم، أو قال‏:‏ ومهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون درهماً أو أقلّ أو أكثر صحّ النّكاح بالمسمّى، وهو المذهب كما هو منصوص الإمام أحمد، لأنّه لم يحصل في هذا العقد تشريك وإنّما حصل فيه شرط فاسد فبطل الشّرط وصحّ النّكاح‏.‏

وقال الخرقيّ‏:‏ هذا النّكاح باطل للنّهي الّذي ورد في الحديث الصّحيح عن نكاح الشّغار، ولأنّه شرط نكاح إحداهما لنكاح الأخرى فلم يصحّ‏.‏

وإن سمّيا المهر لإحداهما دون الأخرى صحّ نكاح من سمّي لها، لأنّ في نكاحها تسميةً وشرطاً‏.‏ فصحّت التّسمية وبطل الشّرط دون الأخرى الّتي لم يسمّ لها مهر فنكاحها باطل، لأنّه خلا من صداق سوى نكاح الأخرى‏.‏

وقال أبو بكر بفساد النّكاحين لأنّه فسد في إحداهما فيفسد في الأخرى‏.‏

راجع التّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح، مهر، صداق‏)‏‏.‏

شغل الذّمّة

انظر‏:‏ ‏(‏اشتغال الذّمّة، ذمّة‏)‏‏.‏

شَفَاعة

التّعريف

1 - الشّفاعة في اللّغة‏:‏ من شفع إلى فلان في الأمر شفعاً، وشفاعةً طالبه بوسيلة، أو ذمام‏.‏ أو هي التّوسّط بالقول في وصول شخص إلى منفعة دنيويّة أو أخرويّة أو إلى خلاص من مضرّة كذلك‏.‏

أو هي سؤال التّجاوز عن الذّنوب من الّذي وقع الجناية في حقّه‏.‏

واستشفع بفلان إليّ طلب منه أن يشفّع فشفّعته أي قبلت شفاعته‏.‏

2 - والشّفاعة إن كانت إلى اللّه فهي الدّعاء للمشفوع له، ففي الأثر‏:‏ » من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكّل به‏:‏ ولك بمثل «‏.‏

وإن كانت إلى النّاس فهي كلام الشّفيع في حاجة يطلبها لغيره إلى من يستطيع قضاءها كالملك مثلاً‏.‏

ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإغاثة‏:‏

3 - وهو من أغاث المكروب إغاثةً ومغوثةً‏:‏ أي فرّج عنه ونصره في حالة الشّدّة‏.‏ فكلّ من الشّفاعة والإغاثة معونة للطّالب

ب - التّوسّل‏:‏

4 - وهو التّقرّب يقال‏:‏ توسّلت إلى اللّه بالعمل وتوسّل بفلان إلى كذا‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالشّفاعة

الشّفاعة قسمان‏:‏ شفاعة حسنة، وشفاعة سيّئة‏.‏

الشّفاعة الحسنة

5 - أ - الشّفاعة الحسنة‏:‏ وهي‏:‏ أن يشفع الشّفيع لإزالة ضرر أو رفع مظلمة عن مظلوم، أو جرّ منفعة إلى مستحقّ ليس في جرّها ضرر ولا ضرار، فهذه مرغوب فيها مأمور بها، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏‏.‏

وللشّفيع نصيب في أجرها وثوابها قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا‏}‏ ويندرج فيها دعاء المسلم لأخيه المسلم عن ظهر الغيب‏.‏

الشّفاعة السّيّئة

5 - ب - الشّفاعة السّيّئة هي‏:‏ أن يشفع في إسقاط حدّ بعد بلوغه السّلطان أو هضم حقّ أو إعطائه لغير مستحقّه، وهو منهيّ عنه لأنّه تعاون على الإثم والعدوان‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ‏}‏ وللشّفيع في هذا كفل من الإثم‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا‏}‏ الآية‏.‏

والضّابط العامّ‏:‏ أنّ الشّفاعة الحسنة هي‏:‏ ما كانت فيما استحسنه الشّرع، والسّيّئة فيما كرهه وحرّمه‏.‏

والشّفاعة تكون في الآخرة وفي الدّنيا

أوّلاً‏:‏ الشّفاعة في الآخرة

6 - أجمع أهل السّنّة، والجماعة على وقوع الشّفاعة في الآخرة ووجوب الإيمان بها‏.‏ لصريح قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً‏}‏‏.‏

وقال عزّ من قائل‏:‏ ‏{‏وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى‏}‏‏.‏

وقد جاءت الأحاديث الّتي بلغت بمجموعها حدّ التّواتر بصحّة الشّفاعة في الآخرة لمذنبي المسلمين، فيشفع له من يأذن له الرّحمن من الأنبياء والملائكة وصالحي المؤمنين‏.‏

جاء في حديث الشّفاعة‏:‏ » فيقول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ شفعت الملائكة، وشفع النّبيّون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلاّ أرحم الرّاحمين فيقبض قبضةً من النّار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قطّ‏.‏‏.‏ إلخ «‏.‏

7 - قال العلماء‏:‏ الشّفاعة في الآخرة خمسة أقسام‏:‏

أوّلها‏:‏ مختصّة بنبيّنا صلى الله عليه وسلم وهي‏:‏ الإراحة من هول الموقف، وتعجيل الحساب، وهي‏:‏ الشّفاعة العظمى‏.‏

ثانيها‏:‏ في إدخال قوم الجنّة بغير حساب، وهذه أيضاً خاصّة بنبيّنا صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثالثها‏:‏ الشّفاعة لقوم استوجبوا النّار فيشفع فيهم نبيّنا، ومن شاء اللّه تعالى‏.‏

رابعها‏:‏ فيمن دخل النّار من المذنبين‏:‏ فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النّار بشفاعة نبيّنا صلى الله عليه وسلم والملائكة وإخوانهم من المؤمنين‏.‏

خامسها‏:‏ في زيادة الدّرجات في الجنّة لأهلها‏.‏

8- ويجوز للإنسان أن يسأل اللّه أن يرزقه شفاعة الحبيب محمّد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال النّوويّ في شرح صحيح مسلم‏:‏ قال القاضي عياض‏:‏ ‏"‏ قد عرف بالنّقل المستفيض سؤال السّلف الصّالح - رضي الله عنهم - شفاعة نبيّنا صلى الله عليه وسلم ورغبتهم فيها، وعلى هذا لا يلتفت إلى من قال‏:‏ إنّه يكره أن يسأل الإنسان اللّه تعالى‏:‏ أن يرزقه شفاعة نبيّنا صلى الله عليه وسلم لكونها لا تكون إلاّ للمذنبين، لأنّ الشّفاعة قد تكون لتخفيف الحساب، وزيادة الدّرجات‏.‏ ثمّ كلّ عاقل‏:‏ معترف بالتّقصير محتاج إلى العفو غير معتدّ بعمله مشفق من أن يكون من الهالكين‏.‏ ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة، والرّحمة لأنّها لأصحاب الذّنوب ‏"‏‏.‏

ثانياً‏:‏ الشّفاعة في الدّنيا

أ - الشّفاعة في الحدّ‏:‏

9 - لا خلاف بين الفقهاء في تحريم الشّفاعة في حدّ من حدود اللّه بعد بلوغه إلى الحاكم لقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة لمّا كلّمه في شأن المخزوميّة الّتي سرقت‏:‏ » أتشفع في حدّ من حدود اللّه‏؟‏‏.‏ ثمّ قام فاختطب ثمّ قال‏:‏ إنّما أهلك الّذين من قبلكم‏:‏ أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ، وأيم اللّه لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها «‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من حالت شفاعته دون حدّ من حدود اللّه فقد ضادّ اللّه «‏.‏

ولأنّ الحدّ إذا بلغ الحاكم وثبت عنده وجب إقامته والسّعي لترك واجب أمر بالمنكر، واستظهر بعض الحنفيّة جواز الشّفاعة عند الرّافع له بعد وصولها إلى الحاكم وقبل الثّبوت عنده‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ وكذلك لا تجوز الشّفاعة إذا بلغ الحدّ الشّرط والحرس لأنّ الشّرط والحرس بمنزلة الحاكم‏.‏

أمّا قبل بلوغه إلى من ذكر فتجوز الشّفاعة فيه لما ورد أنّ الزّبير بن العوّام مرّ عليه بسارق فتشفّع له، قالوا‏:‏ أتشفع لسارق‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ما لم يؤت به إلى الإمام، فإذا أتي به إلى الإمام فلا عفا اللّه عنه إن عفا عنه‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ إلاّ إذا كان المشفوع فيه من الأشرار الّذين مردوا على ارتكاب المعاصي الّتي توجب الحدّ، فلا يجوز الشّفاعة فيه‏.‏

ب - الشّفاعة في التّعازير‏:‏

10 - أمّا التّعازير‏:‏ فيجوز فيها الشّفاعة بلغت الحاكم أم لا، بل يستحبّ‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ إذا لم يكن المشفوع له صاحب شرّ‏.‏

الشّفاعة إلى ولاة الأمور

11 - الشّفاعة إلى ولاة الأمور إن كانت في حاجة المسلمين فهي مستحبّة‏.‏

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً‏}‏ الآية‏.‏

ولما في الصّحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال‏:‏ اشفعوا تؤجروا ويقضي اللّه على لسان نبيّه ما أحبّ«‏.‏

أخذ الهديّة على الشّفاعة

12 - إن أهدى المشفوع له هديّةً لمن يشفع له عند السّلطان، ونحوه من أرباب الولاية فإن كانت الشّفاعة لطلب محظور، أو إسقاط حقّ أو معونة على ظلم، أو تقديمه في ولاية على غيره ممّن هو أولى بها منه، فقبولها حرام بالاتّفاق، وإن كانت لرفع مظلمة عن المشفوع له أو إيصال حقّ له أو توليته ولايةً يستحقّها، فإن شرط الهديّة على المشفوع له فقبولها حرام أيضاً‏.‏ وإن قال المشفوع له‏:‏ هذه الهديّة جزاء شفاعتك فقبولها حرام كذلك‏.‏ أمّا إن لم يشرط الشّافع ولم يذكر المهدي أنّها جزاء فإن كان يهدى له قبل الشّفاعة‏.‏

فقال الشّافعيّة‏:‏ لا يكره له القبول، وإلاّ كره إلاّ أن يكافئه عليها فإن كافأه عليها لم يكره‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يجوز للشّافع أخذ هديّة بحال من الأحوال، لأنّها كالأجرة، والشّفاعة الحسنة من المصالح العامّة فيحرم أخذ شيء في مقابلها‏.‏ أمّا الباذل فله أن يبذل في ذلك ما يتوصّل به إلى حقّه‏.‏ وهو المنقول عن السّلف والأئمّة‏.‏

الاستشفاع إلى اللّه تعالى بأهل الصّلاح

13 - الاستشفاع بالأعمال الصّالحة وبالنّبيّ صلى الله عليه وسلم وبأهل الصّلاح هو من التّوسّل، وينظر حكمه في‏:‏ ‏(‏توسّل‏)‏‏.‏

شُفْرُ العَين

انظر‏:‏ ‏(‏قصاص، ديات، حكومة عدل‏)‏‏.‏

شُفْرُ الفَرْج

انظر‏:‏ ‏(‏قصاص، ديات، حكومة عدل‏)‏‏.‏

شَفْع

انظر‏:‏ ‏(‏نوافل، تطوّع‏)‏‏.‏